إسماعيل دبارة - مسؤول الاعلام - مرصد رقابة
بصفتها مواطنة كاملة الحقوق، لها ما للرجل، وعليها ما عليه، من الطبيعي والبديهي أن يكون للمرأة التونسية دور في واجب مكافحة الفساد، كما من الطبيعي أن تكون متأثّرة كغيرها من مكونات المجتمع، بالتداعيات الوخيمة لهذه الآفة التي لا تستثني أحدا.
لكنّ هنالك مواقف كثيرة في بلادنا تتجه في معظمها لتقييم حضور المرأة في مكافحة الفساد بـ"السلبي" أو "دون المطلوب". رغم أن مؤشرات كثيرة تقول إنّ "المرأة أقلّ فسادا من الرجل" عندما يتعلّق الأمر بحضورها في المناصب القيادية والأمامية وتحمّل المسؤوليات.
النساء هن الأكثر تأثراً بنتائج الفساد، خاصة عندما يتعلّق الأمر بمجال تقديم الخدمات، ونظرا للأدوار الإنجابية والإنتاجية للمرأة في تونس، فالنساء هن من يتحملن مسؤولية متابعة الوضع الصحي والتعليمي لأطفالهن، وبالتالي هن من يكن بحاجة لتلقي الخدمات المباشرة لهن ولأطفالهن وأسرهن في مناسبات كثيرة.
إنّ انتشار الفساد في المجالات الحيوية كالتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والإدارة، ينعكس مباشرة على الخدمات المقدمة للنساء المتلقيات لتلك الخدمات ويؤثر في النوعية والجودة وعدالة الحصول على تلك الخدمات لأغلبية النساء.
كما تعاني النساء بسبب كونهن نساء فيتعرضن للتحرش الجنسي والابتزاز مقابل الحصول على بعض تلك الخدمات رغم أنها حق لهن، ولكن بفعل الفساد يصبحن فريسة سهلة للفساد والفاسدين.
یؤثر النوع الاجتماعي والصورة النمطیة بشكل متفاوت على النساء فتكون النتيجة اللجوء إلى دفع المزید من الرشاوى للحصول على الخدمات العامة.
وحسب معاينات للواقع، تواجه النساء خلال مسيرة رعاية أسرهنّ بشكل مباشر الفساد وتداعياته المخيفة، وذلك أثناء طلب الخدمات العامة (الصحة والتعلیم والمیاه والاعاشة والحصول على شغل...الخ) إذ بات الكثير منهنّ تُجبرن على دفع الرشاوى للحصول ما يفترض أنها حقوق دستورية، أو التخلي عن تلك الحقوق في حال الصمود أمام الابتزاز والرشاوى.
هنالك علاقة سببية بين الفقر والبطالة من جهة، والفساد من جهة ثانية، فكلما زادت نسب الفساد زادت نسب الفقر وتراجعت فرص التوظيف وزادت نسب البطالة، والنساء هن الأكثر تضررا ودفعا للثمن لأنهن لازلن يعانين من حرمان حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مقارنة بالرجل، ولازلن يناضلن من أجل تحقيق المساواة والعدالة في الانتداب وظروف الشغل والأجور، رغم أن الدستور والقوانين لا تميز ظاهريا وشكليا بين الرجل والمرأة في بلادنا.
إهدار المال العام وازدياد المحسوبية والواسطة والرشاوي وتضارب المصالح، إضافة لأشكال أخرى من الفساد في القطاعات الأكثر خدماتية تضر بالخدمات العامة المقدمة للنساء، وتقلل من جودة الحياة، وتزيد من تفقير النساء واستغلالهن، وتؤدي إلى مزيد من التراجع للمطالبات بحقوق المرأة والمساواة والعدالة الاجتماعية.
أما تفشي الفساد في مؤسسات الدولة فإنه يشكل عبئا إضافيا على الجميع، فهو يبدّد الخطط التنموية والموارد المرصودة للتنمية، ما يؤدي بدوره إلى تغيير الأولويات وتراجع الاهتمام بظروف النساء واحتياجاتهن خاصة في أوساط الفئات الفقيرة والمهمشة.
حضور المرأة في مواقع القرار في الوظيفة العمومية في تونس، ضعيف للغاية وفق التقارير الرسمية، في المقابل نجد أن نسبة خرّيجات الجامعات التونسية يبلغ 62 في المائة.
يقول تقرير سابق عن الفوارق المهنية في الوظيفة العمومية، مولته فرنسا وأعدّ بشراكة بين الحكومة التونسية ووحدة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، إنّ 75% من مناصب رؤساء مجلس الإدارة تبقى حكرا على الرجال.
ويقول معدّو التقرير إنّ العقبة الكبيرة تتمثل في العراقيل الخفية، حيث بإمكان المرأة أن تتولى مناصب "رئيسة مصلحة" و"مساعدة مدير" و"مديرة"، لكن بعد ذلك وحين نصل إلى المناصب الأعلى على غرار مديرة عامة أو أمينة عامة لوزارة هناك انسداد في مستوى ما".
إقصاء النساء من المناصب السياسية والادارية أو استغلالهن لممارسة الفساد، يؤدي إلى تقليص دورهن في تنفيذ السياسات الضرورية لمكافحة الفساد.
بالإضافة إلى ذلك، يستمر خضوع المرأة للضغوطات من قبل الرجال للسيطرة على حالات الفساد وضمان عدم التبليغ عنها، إضافة لقلة الوعي والدعم الاجتماعي لضحايا الفساد والخوف الدائم من الانتقام.
وأظهرت بعض الدراسات الأكاديمية "ارتباطا ما" بین نسبة حضور النساء في مراكز صنع القرار والفساد، إلا أن ذلك لا یعني بالضرورة أن ارتفاع مستوى مشاركة المرأة في الحیاة العامة سيؤدي آليا إلى انخفاض مستويات الفساد. ومن هنا تزداد الحاجة إلى مزید من الأبحاث من أجل ضمان نتائج تستند على بیانات تجريبية وعلمية. إذ لا یوجد أي دليل ملموس إلى الآن على أن المرأة هي أكثر أو أقل فسادًا من الرجل.
لكنّ محليا، خلصت دراسة قامت بها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في 2018، إلى أن المرأة "أقلّ فسادًا من الرجل" ونسبة إقبالها على التبليغ عن الفساد "ما تزال ضعيفة".
وصل عدد المبلّغ عنهم في قضايا فساد سنة 2016، إلى 53 شخصًا، 51 منهم من الذكور وامرأتان فقط، فيما سجلت سنة 2017 التبليغ عن 142 شخصًا منهم 136 من الذكور و6 نساء فقط.
أما بخصوص المبلّغين، فإن الأرقام المتوفرة تشير إلى قيام 20 من الذكور و11 من الإناث بالتبليغ عن الفساد سنة 2016 لتتطور هذه الأرقام سنة 2017، إذ قام 60 من الذكور و15 من الإناث فقط بالتبليغ عن الفساد.
طبعا هذه الأرقام هي أرقام أولية وقديمة، لم تأخذ بعين الاعتبار المبلغين الذين أرسلوا ملفات دون الكشف عن هوياتهم (هنّ)، وهي تحتاج التحيين والدراسة من أجل تفسير الظواهر الناتجة عنها.
احصائيات "مركز يقظ لدعم وإرشاد ضحايا الفساد" التابع لمنظمة "أنا يقظ" خلص بدوره إلى أن نسبة الشكايات المتعلّقة بشبهات الفساد المقدّمة ضدّ النساء لم تتجاوز %2 سنة 2017 ولم تبلغ 1% بالنسبة الى 2018، وهو ما أكدّته احصائيات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي لم تتجاوز الشكايات الواردة عليها ضدّ المرأة 4% مقابل 96% منها مقدّمة ضد الرجال.
أما على المستوى العالمي، فقد خلصت دراسة قام بها البنك الدولي تحت عنوان (الفساد والمرأة في الحكومة) إلى أن "للمرأة معايير أعلي في السلوك الأخلاقي، وأنها أكثر اهتماما بالصالح العام، فالنساء لا يتقبلن الرشاوي الا ما ندر".
تقول ذات الدراسة إن ارتفاع معدلات مشاركة الاناث في الحكومة يرتبط بمستويات منخفضة في الفساد، وأن زيادة عددهن في السلطة يأتي بفوائد مجتمعية أكبر، بل إن وجودها في السلطة هو الوسيلة الفعالة لمحاربة الفساد". أي أنّ النساء يتمتعن بمعايير أخلاقية عالية بسبب القوالب النمطية التي تصف النساء بانهن "الجنس الأكثر نزاهة والأكثر مراعاة للمصلحة العامة".
وتشير بعض الدراسات الأخرى إلى أن الشركات التي تضم عددًا أكبر من النساء في مناصب صنع القرار تتمتع بأداء أفضل من حیث الاخلاق، ومستوى الفساد والأداء المالي، مما یعني أن زيادة حصة النساء في أماكن العمل أو المؤسسات العامة التي یسیطر علیھا الذكور یمكن أنّ تحد من الفساد. ومع ذلك، لا تزال ھناك حاجة إلى المزید من البحوث لإثبات ذلك.
دراسة أخرى صدرت عن جامعة رايس (Rice University) بعنوان "الفساد والجنس والسياق المؤسسي" واستندت إلى بيانات من بلدان مختلفة لقياس مدى مشاركة المرأة في الممارسات الفاسدة والتسامح معها في مختلف السياقات.
تقول الدراسة إن المرأة في البلدان الديمقراطية ذات مستويات الفساد المنخفضة عموما، أقل عرضة للفساد وأقل احتمالا للتسامح مع الفساد من السياسيين الذكور.
وتشير الدراسة إلى أن النساء قد يشعرن بأنهن أكثر ارتباطا بالأعراف السياسية للمجتمع الذي يعملن فيه، لكنها أكدت أن تجنيد المزيد منهن في السياسة في البلدان الأكثر فسادا لن يقلل من الفساد، حيث يكون تأثيرهن محدودا للغاية، ولكن توظيفهن في الخدمة العامة في البلدان الأقل فسادا قد يقلل بالفعل من الفساد الشامل.
تبعا لكلّ ذلك، يهتم "مرصد رقابة" كثيرا بالاقتراب أكثر من نساء تونس والاستماع إلى هواجسهنّ حيال هذه القضية، والمساهمة من موقعه كمنظمة نشطة من منظمات المجتمع المدني وقواه الحية، في تسهيل السبل أمام المرأة من أجل المشاركة في (أم المعارك)، إذ من الصعب كثيرا على تونس الانتصار على آفة الفساد المستشرية في حين يتحفّظ نصف المجتمع عن القيام بدوره وواجبه في خوض المعركة بكل ثقله، جنبا إلى جنب مع الذكور.
وسيعمل "مرصد رقابة" مستغلا منصاته وأساليبه التواصلية المختلفة، على الاستماع بانتباه إلى النساء في تونس لمعرفة هواجسهنّ وسوف يستفتيهنّ قريبا بخصوص الموانع والمخاوف التي تربك انخراطهن بقوة في المعركة ضد الفساد والتبليغ عنه. وسيشارك في إعداد أبحاث ودراسات تحليلية جندرية حول الفساد وأشكاله وأثره.
كما سيتبنّى قراءة نقدية وسيراجع مع شركاءه ومع المهتمين السياسات القائمة حاليا وخاصة التشريعات لتراعي دور النساء في ملف مكافحة الفساد.
إنّ رفع الوعي لدى سياسيي تونس بمدى وكيف يؤثر الفساد على النساء بشكل أكبر من الفئات الأخرى ووضع الخطط وإيجاد الوسائل التي تحد من أثره على النساء، وتبني الرشوة الجنسية كشكل من أشكال الفساد وفضحه ودمجه بالمنظومة القانونية الخاصة بمكافحة الفساد وتغليظ العقوبات ضدّه، باتت خطوات ملحة لا تحتمل التأجيل.
ومن ذلك أيضا، تبنى آليات خاصة لتشجيع النساء على الانخراط في مكافحة الفساد والابلاغ عنه تراعي الفروق بين النساء والرجال في مجال التمكين والقدرة على الوصول والخصوصية بالإضافة إلى رفع كل القيود وتسهيل عمل منظمات المجتمع المدني وخاصة المنظمات التي تعنى بالمرأة وتمكينها من القيام بدورها من خلال النفاذ للمعلومات بشكل أكثر يسرا وسلاسة.