صدر بالرائد الرسمي ليوم الجمعة 21 اكتوبر عدد من النصوص تشتمّ منهما رائحة لوبيات المصالح التي هي بصدد استغلال الضعف غير المسبوق للدولة وغياب الرقابة لتمرير أجنداتها ومصالحها.
ولا شك أن نجاح تلك اللوبيات في دفع رئيس الجمهورية إلى إمضاء هذه النصوص وإصدارها بالرائد الرسمي يؤكد لنا بوضوح أن رئيس الدولة لا يستمع لأي صوت عدى صوت نجلاء بودن ومن ورائها اللوبيات المهيمنة على القصبة، وقد أصبح - عن وعي أو عن غير وعي وفي تناقض مطلق مع كل تصريحاته وشعاراته - الاداة التي تمرر بها هذه المنظومة مخططاتها. وهو أمر خطير جدا على الدولة باعتبار أن الرئيس يتحكم اليوم في السلطتين التنفيذية والتشريعية ويداه مطلقتان لفعل أي شيء في غياب أي رقابة كانت.
وكنا في مرصد رقابة قد راسلنا رئيس الدولة منذ 13 سبتمبر 2022 للفت نظره إلى سعي هذه اللوبيات "إلى تمرير مجموعة من النصوص الترتيبية المتعلقة بالصفقات العمومية ومن بينها مشروع أمر مشبوه معروض عليه للإمضاء يتعلق بالمراجعة الاستثنائية لأثمان صفقات الأشغال" (انظر المرفق). ولكن "لا حياة لمـن تنادي" .
حيث صدر الأمر عدد 764 لسنة 2022 المؤرخ في 19 اكتوبر 2022 المتعلق بالمراجعة الاستثنائية لأثمان الصفقات العمومية المتعلقة بالأشغال. وهو أمر يقتضي تجميع جميع الملفات المعنية بالمراجعة الاستثنائية (وعددها يتجاوز مبدئيا 5 آلاف ملف) لدى جهة واحدة، وهي لجنة خاصة لدى رئيس الحكومة وتحديدا صلب الهيئة العليا للطلب العمومي، واستثناء تلك الملفات من مرجع نظر لجان مراقبة الصفقات المختصة حسب التراتيب الجاري بها العمل للقيام بذلك. وهو ما يطرح عديد المخاطر من بينها إمكانية المحاباة والتواطئ والرشاوي. لا سيما وأن التعويضات موضوع هذا الأمر ستكون بمبالغ مالية هامة. وأحكام الأمر تتنافى مع مبدأي الشفافية والمساواة وهما مبدآن جوهريان في مجال الصفقات العمومية. مرصد رقابة سينشر في الايام القادمة دراسة في الامر وخطورته وسيقوم بخطوات قانونية في شأنه سنعلن عنها حال انجازها.
كما أصدر رئيس الجمهورية في العدد نفسه من الرائد الرسمي المرسوم عدد 68 لسنة 2022 المؤرخ في 19 أكتوبر 2022 المتعلق بضبط أحكام خاصة بتحسين نجاعة إنجاز المشاريع العمومية والخاصة. وهو بمثابة نسخة جديدة ورديئة ل"قانون الطوارئ الاقتصادية" الذي حاول يوسف الشاهد وتحالفه الحاكم تمريره في مجلس النواب من 2016 الى 2019 وفشل في كل مرة. المرسوم الجديد، الذي يشكل محاولة استباقية للسطو على الصلاحيات التشريعية للبرلمان المقبل رغم اضعاف سلطاته، يتضمن أحكاما خطيرة قد تفتح المجال للسمسرة وتتعلق بمنح امتيازات وتحفيزات لمشاريع بعينها تحدد دون معايير موضوعية تحت اشراف لجنة جديدة، وبالإعفاء من الرقابة المسبقة وبالتحوز على الاراضي الصناعية وبملكية الاراضي الفلاحية من طرف اجانب، وغيرها من الاجراءات الخطيرة، التي سيوضحها المرصد بالتفصيل للرأي العام في الايام القادمة.
وتضمن نفس الرائد الرسمي بالإضافة لهذين النصين نصوصا أخرى هي الان محل دراسة من المرصد سنعود اليها في صورة وجود أي شبهات.
نحن نحرص في مرصد رقابة كل الحرص على أن تكون منشوراتنا ذات طابع فني وقانوني محايد. ونستند دائما إلى مراجع قاتونية ومؤيدات واضحة، ونحن نتجنب أي تعليقات أو أراء ذات بعد سياسي، ولكننا نؤمن أيضا بأنه لا حياد مع الفساد وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.