تواصل مؤسسات النقل في تونس الالتفاف على القوانين واستغلال غياب الرقابة والحزم لتجاهل اجراء التدقيق الطاقي الاجباري والدوري، الذي فرضه الأمر عدد 50 لسنة 1987 المتعلق بضبط شروط خضوع المؤسسات المستهلكة للطاقة للتدقيق الإجباري والدوري في الطاقة، ما حدا بمرصد رقابة إلى التعهّد بالموضوع ومراسلة وكالة التحكم في الطاقة بخصوص استهتار بالقوانين من طرف شركات النقل يؤدي الى خسائر مالية فادحة.
وحسب الأرقام التي نشرتها دائرة المحاسبات إثر مهمة رقابية شملت الاعوام 2010 - 2016، فإنّ تجاهل مؤسسات النقل للخضوع تلقائيا للتدقيق الطاقي بلغ مستويات فظيعة وهو ما يعد تجاوزا لافتا للقانون وهدرا للمال العام واستهتارا بالحوكمة الرشيدة وفي التصرف بالمالية العمومية.
وتمّ انجاز الأعمال الرقابية أساسا صلب "الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة" "باعتبارها الجهة المعنية بإدارة شأن التحكم في الطاقة وبالمصالح الفنية للستاغ وكذلك بالمصالح المعنية بالطاقة بالوزارات المكلفة بالطاقة والنقل والتجهيز وبالمركز التقني للصناعات الميكانيكية والكهربائية.
ويُقصد بالتدقيق الطاقي، كل عملية تشخيص لاستهلاك الطاقة بالمؤسسة من خلال إنجاز بحوث ودراسات وإجراء عمليات مراقبة تهدف إلى تقويم مستوى نجاعة المؤسسة من حيث استهلاك الطاقة وتحليل أسباب النقائص واقتراح الأعمال التصحيحية.
وخلُص تقرير المهمة الرقابية لدائرة المحاسبات للفترة المذكورة آنفا إلى أنه "فيما يتعلّق بالتدقيق الطاقي في شركات النقل فقد لوحظ غياب نظام شامل ودقيق يسمح بجمع وتحيين المعطيات المتعلّقة باستهلاكها للطاقة. كما تبين عدم تحقيق الأهداف المرسومة على مستوى التدقيق وعقود البرامج حيث لم تتجاوز نسب الإنجاز على التوالي 10 % و13 %.
وتقول وزارة الطاقة والمناجم إنّ النقل هو القطاع الذي يستهلك أكبر قدر من الطاقة في تونس بحوالي 36٪ من إجمالي الطاقة النهائية المستهلكة وأكثر من 55٪ من الاستهلاك الوطني للمنتجات البترولية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن قطاع النقل البري وحده يمثل أكثر من 90٪ من الطاقة النهائية المستهلكة. ومن حيث إمكانات تقليص الاستهلاك، يمثل قطاع النقل حوالي 25٪ من إمكانات كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.
طاقة مهدورة
أدى غياب استراتيجية وطنية للتحكم في الطاقة وعدم استكمال الإطار القانوني والترتيبي المتعلق بصندوق الانتقال الطاقي إلى حرمان المجموعة الوطنية خلال الفترة 2014-2016 من تحقيق اقتصاد في كمية الطاقة بحوالي 2476 الف طن مكافئ نفط ناهزت قيمتها 1584 مليون دينار وتفادي حوالي 432 مليون دينار من نفقات الدعم، بحسب تقرير المهمة الرقابية الحادي والثلاثين.
وترتب عن عدم وضع توجهات وإجراءات وأطر قانونية استهلاك إضافي للطاقة بحوالي 1516 الف طن مكافئ نفط في الفترة نفسها أي ما يعادل 1192 مليون دينار ونحو 325 مليون دينار من الدعم الذي لم يتم تفاديه كما لم تتعد نسبة إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة ٪4 من إجمالي إنتاج الكهرباء على المستوى الوطني وتجاوزت قيمة الفاقد التجاري على مستوى توزيع الكهرباء 1191 مليون دينار.
نزيف طاقي في قطاع النقل
عدد الشركات التي خضعت للتدقيق الطاقي في قطاعات النقل والصناعة والخدمات لم يتجاوز خلال الفترة (2010 ـ 2016) الـ 282 شركة من جملة 1000 شركة، وذلك دون أن تقوم الوكالة بتطبيق الخطايا القانونية على الشركات المخلة وبتكليف خبير لإنجاز التدقيق الطاقي.
وفعلا لم تتجاوز خلال نفس الفترة نسبة الاقتصاد في الطاقة ٪0.07 من إجمالي استهلاك الطاقة بقطاع النقل.
وفيما يتعلق أيضا بقطاع النقل، فقد ضبطت وكالة التحكم في الطاقة قاعدة بيانات تشمل 313 شركة نقل اعتبرتها خاضعة للتدقيق الطاقي الاجباري مرة كل خمس سنوات، لكنّ عدد الشركات التي قامت بذلك التدقيق لم تتجاوز 84 شركة، اي بنسبة 27% من جملة الشركات.
أما في القطاع العام، لم تنجز سوى شركتان عموميتان للنقل عمليات التدقيق الطاقي وفقا للدورية المطلوبة من جملة 15 شركة، ويمتدّ التلكؤ أحيانا في الخضوع للتدقيق الدوري الى ما بين 10 وعشرين سنة، ما ترتب عنه عدم استغلال مكامن الاقتصاد في الطاقة، لمختلف الشركات العمومية للنقل، وتكبيد الخزينة العامة خسارة قدّرها تقرير المهمة الرقابية لدائرة المحاسبة ب12 مليون دينار (اي ما يعادل 9207 الف طن مكافئ نفط).
وينص الفصل 4 من القانون عدد 72 لسنة 2004 المؤرخ في 2 أوت 2004 والمتعلق بالتحكم في الطاقة على ان تخضع المؤسسات التي يتجاوز استهلاكها الجملي للطاقة حدا يتم ضبطه بأمر، لتدقيق إجباري ودوري في الطاقة يقوم به خبراء مدققون.
ويتم التدقيق الطاقي بالمؤسسات العمومية بعد نشر طلب عروض لاختيار مكتب دراسات مختص، يُشفع بالتعاقد مع المكتب الأكثر استجابة لكراس الشروط والذي تصادق عليه الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة.
هذا المسار القانوني الرامي الى تعزيز الرقابة، يبدو غير مجد بصيغته الحالية نظرا لما يتضمنه تقرير المهمة الرقابية لدائرة المحاسبات.
وفي حين تزعم وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، أنّ سياستها لتحسين الأداء الطاقي لقطاع النقل "تقوم على التدقيق الطاقي لشركات النقل في مختلف القطاعات، وتعزيز القيادة المقتصدة للطاقة وتطوير استعمال مراكز فحص المحركات، بالإضافة إلى ذلك، تقوم الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة بإجراء عمليات تستند إلى استخدام تقنيات المعلوماتية والاتصالات الحديثة مثل أنظمة التتبع الآني للمركبات وحلول إدارة شحن الوقود"، فقد أوصى تقرير دائرة المحاسبات بـ "تدعيم الإطار المنظم للتحكم في الطاقة في القطاع العمومي وإلى التسريع في انجاز المشاريع الرامية إلى التحكم في الطاقة بما يمكّن من رفع النجاعة الطاقية واعتماد مؤشر ملائم للتدقيق الطاقي حتّى يتيسر للوكالة تحديد ومراقبة الشركات الخاضعة للتدقيق الطاقي الإجباري قصد الوقوف على مواطن الخلل في الإبان".
"مرصد رقابة" على الخطّ
توصّل "مرصد رقابة" بمعطيات تفيد ببقاء الوضع على ما هو عليه رغم مرور سنوات على صدور تقرير دائرة المحاسبات ومهمتها الرقابية، والتحذيرات الصادرة بخصوص اهدار المال العام برفض شركات النقل الالتزام بالقوانين والتدقيق في استهلاكها للطاقة.
وراسل المرصد الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، مستغلا حقه في النفاذ إلى المعلومة، طالبا من الوكالة مده بقائمة الشركات العمومية للنقل واللوجستيك تحت اشراف وزارة النقل الخاضعة للتدقيق الاجباري والدوري للطاقة للفترة الممتدة من سنة 2015 الى سنة 2021.
كما طالب بقائمة الشركات العمومية للنقل تحت اشراف وزارة النقل واللوجستيك التي قامت بإجراء التدقيق الاجباري والدوري في الطاقة خلال ذات الفترة، وقائمة الشركات العمومية التي تم تسليط عقوبات عليها بسبب عدم اجراء عملية التدقيق الاجباري والدوري، لذات الفترة.