توالت على مرصد رقابة مؤخرا تبليغات كثيرة عن استفحال الاستهتار وسوء التصرف الاداري والمالي في غرف التجارة والصناعة، بصفتها مؤسسات عمومية ترجع بالنظر إلى وزارة التجارة، ما يعطّل عملها لتحقيق الأهداف التي أنشأت لأجلها وما يضعها صيدا سهلا امام متنفذين يحوّلون وجهتها نحو مصالحهم الخاصة والضيقة.
ولعلّ أبرز مظاهر التقاعس والاستهتار من سلطة الاشراف تجاه هذه الغرف، هو الوضع الاستثنائي الذي تمرّ به مع عدم اجراء انتخابات أعضاء هيئات هذه الغرف منذ العام 2007، أي أن الأمر يقتصر حاليا وبعد 14 عاما على اجراء آخر انتخابات، على هيئات مكلفة بتسيير شؤون هذه المؤسسات تعمل منذ سنوات دون ضخّ دماء جديدة فيها.
وأفاد مطلعون على تفاصيل المشاكل التي تغرق فيها هذه الغرف "مرصد رقابة" بأنّ هذه المؤسسات العمومية تحولت الى ما يشبه "الملكية الخاصة" لعدد من رجال الاعمال المتنفذين والذين من مصلحتهم تأبيد الوضع الحالي بعد أن ظهرت مجموعات مصلحة توظف أنشطة الغرف لمصلحتها الذاتية.
أما التحرّك المحتشم لوزارة التجارة عبر اجراء مهمات تفقد، على غرار مهمة التفقد بغرفة التجارة والصناعة بتونس، للوقوف على أوجه تسيير هذه المرافق العمومية، فتبدو غير مجدية وتطرح أكثر من تساؤل نتيجة غياب الصرامة والجدية في ايجاد حلّ جذري لغرف التجارة والصناعة.
خلفية قانونية وتاريخية
يعرّف الفصل الأول من القانون عدد 75 لسنة 2006، غرف التجارة والصناعة بالمؤسسات العمومية ذات المصلحة الاقتصادية التي لها الشخصية المعنوية والاستقلال المالي والخاضعة لإشراف الوزارة المكلّفة بالتجارة، أما الفصل السابع من نفس القانون فينصّ على إصدار أمر حكومي لضبط شروط وإجراءات انتخاب أعضائها.
وتساهم غرف التجارة والصناعة في نطاق حدودها الترابية في النهوض بقطاعات التجارة والصناعة والخدمات وكذلك بأنشطة الصناعات التقليدية والحرف الصغرى المضبوطة بالتشريع المتعلق بتنظيم قطاع الحرف. تتكوّن هياكل غرف التجارة والصناعة من هيئة ومكتب ولجان. ويضبط تنظيم وتسيير غرف التجارة والصناعة بأمر.
وتنظم انتخابات لتعيين أعضاء هيئات غرف التجارة والصناعة كل 5 سنوات. وتضبط الشروط والإجراءات المتعلّقة بالترسيم بالقائمات الانتخابية وبانتخاب أعضاء الهيئة بمقتضى أمر، علما أن هذا الأمر لم يصدر منذ سنوات ما يحيل الى رائحة فساد كريهة، عززتها شكاوى المبلغين بخصوص كيفية التصرف الحالي في الغرف التجارية والصناعية، إذ أن جماعات مصلحة مرتبطة بلوبيات فساد ورجال اعمال مستهترين بقوانين البلاد، يعملون وبقوة على شلّ هذه المؤسسات وتحويلها إلى ضيعات خاصة وتوظيفها في غير الأهداف التي بعثت من أجلها وذلك نتيجة لاستقالة وزارة الإشراف ورؤساء الحكومة المتعاقبين، الذين تركوا الحبل على الغارب وأحدثوا فراغا قانونيا يكلّف الخزينة العامة مالا وفيرا.
وتحوم شبهات فساد وغياب للشفافية طيلة عشرات السنين حول طريقة انتخاب القائمين على تلك الغرف إذ يؤكد المهنيون أن الانتخابات كانت صورية في فترة ما قبل الثورة. وأن ذات المنتفعين أفشلوا جهود حكومات كثيرة بعد الثورة لتصحيح أوضاعها، وخاصة منع اخضاعها للتفقد من قبل هياكل الرقابة العمومية.
تجاوزات في غرفة التجارة والصناعة لتونس
علم مرصد رقابة من شبكات متعاونين ومبلّغين على اطلاع بالأجواء التي تعيشها غرفة التجارة والصناعة لتونس، أن الخروقات والشلل لا يقتصر على تعطيل اجراء الانتخابات منذ 2007 فحسب، بل يمتدّ الى جوانب من نشاط الغرفة ذاتها من قبيل "عقد صفقات خدمات خارج الاطر القانونية، والقيام بانتدابات مشبوهة تتضمن بدورها شبهات تضارب مصالح".
وتشمل التجاوزات كذلك اسناد امتيازات مالية دون اي سند اداري أو قانوني لموظفين دون آخرين، مع اكتشاف شبهات فساد تخص المشاريع المنجزة من طرف الغرفة في إطار تعاونها مع الاتحاد الاوروبي أو مع السفارة الاميركية بتونس، خاصة فيما يتعلق بالتصرف المالي وتقديم معلومات مغلوطة حول التكلفة. وتشمل التجاوزات أيضا شبهات فساد حول سفرات رئيس الغرفة وموالين له، وتلاعبا بالنظام الاساسي واسناد خطط وظيفية مخالفة للقانون، ما أدى الى تسميم الاجواء وتدهور مناخ العمل داخل هذه المؤسسة العمومية.
تقرير التفقدية يُسائل ولا يحاسب
عدّد تقرير بحث التفقدية العامة لوزارة التجارة في العام 2018 بخصوص غرفة الصناعة والتجارة لتونس، جملة من الشبهات والتجاوزات، دون أي ملاحقات أو تعهدات بالمحاسبة.
جاء في جدول يبرز أهم الملاحظات التي خلص اليها تقرير التفقدية بتاريخ 28 سبتمبر 2020، جملة من الاخلالات والنقائص اكتشفتها الهيئة العليا للرقابة الادارية والمالية وطالبت بتصحيحها وتوضيحها. ومن ذلك تجاوز المدة النيابية القانونية للهيئة المنتخبة، كما لاحظ أن الهيكل التنظيمي المعتمد من قبل غرفة التجارة والصناعة لتونس منذ 4 مارس 2012 غير مصادق عليه من قبل سلطة الإشراف خلافا للقانون.
تشمل الملاحظات كذلك تداخلا في المهام والمسؤوليات وسوء تنظيم داخل الغرفة نظرا لغياب دليل اجراء، كما لاحظ فريق التفقد اعادة تصنيف الاعوان ومراكمة للترقيات وتأخيرا في انجازها حسب الاقدمية، كما لاحظ غياب معايير محددة في ترقية الاعوان دون استيفاء الشروط القانونية.
مرصد رقابة يراسل وزارة التجارة وغرفة التجارة والصناعة
وانطلاقا من قناعته بان المال العام لا يمكن أن يبدّد بعيدا عن الرقابة المواطنية، تعهّد مرصد رقابة بمتابعة ملفّ التجاوزات في غرفة التجارة والصناعة لتونس بصفتها مؤسسة عمومية. وعطفا على ذلك راسل المرصد يوم 1 أفريل الجاري، رئيس غرفة التجارة والصّناعة لتونس، مستفيدا من حقه في النفاذ إلى المعلومة، ومطالبا بتقرير مفصّل حول المشاريع المنجزة من طرف الغرفة في إطار التعاون مع الاتحاد الأوروبي أو مع السفارة الأمريكية بتونس خلال الفترة من 2010 إلى موفى 2020.
كما طالب المرصد بنسخة من بلاغات الانتداب الصادرة بالصّحف التونسية عن غرفة التجارة والصّناعة لتونس بتاريخ 06 جانفي و27 أكتوبر 2019. مع نسخ من الإعلانات الدّاخلية الصادرة عن الإدارة العامة للغرفة بتاريخ 23 مارس 2018 و13 ديسمبر 2019 والمتعلقة بفتح مناظرات داخلية بالملفات لإسناد خطط وظيفية مع الهيكل التنظيمي المعتمد بالنسبة للمناظرتين والمصادق عليه من طرف مكتب الغرفة في جلسته المنعقدة بتاريخ 24 ماي 2017، ومحضر جلسة اللجنة الاستشارية الخاصة بإسناد الخطط الوظيفية المنعقدة بتاريخ 01 جوان 2018 مع القرار عدد ر/01/2018 الصادر بتاريخ 17 ماي 2018 والمسجل تحت عدد 000456 والمتعلق بإحداث اللجنة الاستشارية الخاصة بإسناد الخطط الوظيفية.
كما وجّه المرصد مطلبا للنفاذ إلى وزارة التجارة طالبا مدّه بتقرير بحث التفقدية العامة للوزارة لسنة 2018 بخصوص غرفة التجارة والصناعة لتونس، والوضعية القانونية لأعضاء هيئات غرف التجارة والصناعة التونسية والمنتخبة منذ أفريل 2007.
هذا ويتعهّد مرصد رقابة بالكشف عن المعلومات التي ترده بخصوص هذه التجاوزات واعلام الرأي العام بها أولا بأول، مع ضمان حقه في التوجه إلى القضاء لوضع حدّ أمام الاستهتار بالمؤسسات العمومية التي يمولها دافع الضرائب التونسي.