كغيره من القطاعات الحيوية، لم ينجُ قطاع الرياضة في تونس من آفة الفساد التي تنخره وبشدّة، ما يؤدّي إلى تفاقم الأزمة داخله. وبات الفساد يخرب القطاع، ويحرق أعصاب الملايين من المشجعين والمهتمّين، وينتج عنه العنف والكراهية، ويتسبّب في سقوط فرق عريقة، وفي تدهور وضع فرق كبرى ونزولها الى الحضيض بعد عقود من التألّق والانتصارات.
ولعلّ ما جرى في بطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم للموسم الرياضي 2020-2021 فرصة لمراجعة أوضاع الرياضة التونسية والبحث في سبل معالجة أمراضها المزمنة وعلى رأسها الفساد وسوء التسيير والتزاوج الحاصل بين المال والسياسة والرياضة.
ويبدو أنّ جهود مكافحة الفساد لم تطل بعدُ قطاع الرياضة ما يفرض على الجميع ابداء مزيد من الاصرار من أجل إرساء الشفافية والرقابة والمساءلة وانتهاج أساليب التصرف الرشيد في هذا المجال.
مظاهر الفساد في قطاع الرياضة كثيرة ومتعددة ومن العسير حصرها، لكنّ لعل أبرزها:
ترسانة قانونية بالية: إذ تشكو الرياضة التونسية من تقييد سببه منظومة قانونية تم سنّها قبل الثورة ومستمرة إلى الان، أسهمت في إضعاف القطاع في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد. ورغم ذلك، مازالت عشرات الملفات تنتظر دورها أمام القضاء وتتضمن تجاوزات خطيرة للغاية في هذا المجال. ومن بينها ملفات تتعلّق بالتلاعب بنتائج مناظرات الالتحاق بشعب الرياضة على المستوى الجامعي والتلاعب في أشغال انجاز مدارج الملاعب وشبهات فساد في تعشيب ملاعب، بالاضافة إلى شبهات استغلال الصفة وتحقيق المنفعة لعدد من المسؤولين الرياضيين فضلا عن شبهات غسل الأموال التي تلاحق بعض المسيرين الرياضيين.
الافلات من العقاب:
يتخفى كثير من الفاسدين وراء الرياضة للإفلات من العقاب والتهرب الجبائي وبات التوظيف السياسي للرياضات المختلفة أكثر وضوحا وجلاء بعد ثورة 14 جانفي 2011، ما ينسف الكثير من الأهداف النبيلة للرياضة. وصار الفساد الرياضي مسنودا سياسيًا وكلاهما يخدم الآخر.
فطرق تمويل الرياضة وخاصة كرة القدم باعتبارها اللعبة الأكثر جلبًا للجماهير العريضة، فتحت الباب لفساد كبير أدّى إلى تبييض أموال طائلة وعقّد من عملية مراقبتها ومتابعتها، فموازنات الجمعيات غير مراقبة عمليا من أي جهة حكومية ذات مصداقية.
ويتم تمويل الجمعيات الرياضية في تونس بموارد خاصة منها الإشهار والاتجار باللاعبين كما يمكن التبرع للجمعيات الرياضية من المؤسسات العمومية كنوع من الإشهار الاقتصادي والمؤسسات الخاصة كنوع من المساهمة المرخصة في تنشيط الرياضة والثقافة، وهي تراتيب انطلق العمل بها منذ نشأت الجمعيات الرياضية وأعفت الدولة هذه التبرعات من قاعدة الضريبة كنوع من التحفيز، إلا أن الأمر استمر دون مراجعة.
أما الممولون فمعظمهم ينحاز لجمعيات بعينها، وصارت التبرعات بوابة للدخول في طواقم التسيير الرياضي بما يشبه شراء الجمعيات من المؤسسات الاقتصادية أو رجال الأعمال، ورغم أن بعض الجمعيات اتخذت تقاليد انتخاب هيئات التسيير بعد الثورة، ولكن حتى الجمعيات التي طبّقت ذلك، فقد أوصلت بالانتخاب رجال أعمال تحوم من حول بعضهم شبهات فساد ولديهم قضايا مرفوعة لدى المحاكم، وتحول بعضهم إلى "أرقام" في المعادلة السياسية والرياضية للبلاد، وكانت النتيجة افلاسا وتدهورا لأوضاع الجمعية.
سوء التسيير الاداري:
هناك مظاهر لسوء التصرف والتقصير وسوء التسيير في الأندية الرياضية التونسية، وأفضت عمليات المراقبة السابقة في عدد من الاتحادات الرياضية إلى اكتشاف العديد من التجاوزات المالية والإدارية، مما أدى إلى حل مجالس الإدارة بشكل فوري وإحالة ملفات المسؤولين المتورطين في شبهات فساد مالي وإداري إلى الأجهزة القضائية للبت في شأنها.
مظاهر أخرى:
ولا تقف مظاهر الفساد المستشري في قطاع الرياضة التونسية عند ذلك الحدّ، بل تشمل أيضا الرهان الرياضي، والتحكيم وبيع المقابلات والسمسرة في اللاعبين الشبان والاتجار فيهم، والتهرب الجبائي لمسؤولي الجمعيات، والتهرب من الاقتطاعات الاجتماعية على أعوان الجمعيات واللاعبين والإطار الفني.
وحتى تستعيد الرياضة التونسية بريقها، وتعود كما كانت مصدرا للتسلية والترفيه والاعتزاز وصنع الفخر والامجاد يجب ان تتخلص فورا من مظاهر الفساد والرشوة والسمسرة، وهذا يجب ان يكون بالرقابة والردع والفضح واصلاح الاجيال القادمة وتغيير العقليات.
ويعتبر إنقاذ الرياضة من مظاهر الفساد المستشري انقاذا لقطاع حيوي ومهم، وبالتالي يجب تغيير المنظومة القانونية الحالية وتحيينها، وذلك بإنشاء آليات ناجعة وإرساء منظومة قانونية للهياكل الرياضية وتعصير الإجراءات الإدارية وتفعيل الرقمنة ما يسهّل بتفعيل الآليات الرقابية مع فرض عقوبات شديدة على الفاسدين والمتعاونين معهم.
كما يجب ايجاد حلول جذرية للجامعات الرياضية التي تعاني ظروفا مادية صعبة ومعالجة المسائل المادية بالتوازي مع التركيز على مبادئ الحوكمة الرشيدة للحيلولة دون الوقوع في الفساد.