بنهاية سنة 2020 انتهى أجل المخطط الخماسي للتنمية 2016-2020، المخطط الثالث عشر منذ الاستقلال والأول بعد الثورة وبعد إعتماد الدستور الجديد للبلاد. وحل وقت التقييم الجدي لمدى تحقق أهداف ذلك المخطط، ومدى واقعية توقعاته الاستشرافية، ومدى مصداقية الأرقام التي قدمت للنتائج التي تم التخطيط لانجازها والموارد التي تم التخطيط لتعبئتها. كما آن الأوان لتقييم منهجية إعداد وتنفيذ وتقييم المخطط الموروثة من تجربة التخطيط التي انطلقت مع تأسيس الدولة الوطنية بعد الاستقلال، هل أثمرت نتائج تنموية في مستوى الانتظارات والشعارات، وهل مازالت صالحة بعد الثورة التي شهدتها البلاد وفي ظل النظام السياسي الجديد المرتكز على الديمقراطية واللامركزية والشفافية.
كما كان من المفروض أن ينطلق مع بداية العام الجديد المخطط الخماسي الجديد 2021-2025. ولكن إعداد المخطط المذكور تعطل في مراحله الأولى، ووصل إلى مأزق بسبب الأزمة السياسية الراهنة التي تتزامن مع أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة وأزمة صحية غير مسبوقة وأزمة نفسية عميقة تلقي بظلالها على كل فئات المجتمع.
ولعل هذا التعطل في إنجاز المخطط يشكل فرصة يجدر اقتناصها من قبل الفاعلين السياسيين في البلاد في الحكومة والبرلمان من أجل إيقاف المسار الراهن المتعثر، وتوجيه الجهود المنهكة والموارد المحدودة التي خصصت أو ستخصص لمخطط لا يتوفر على شروط النجاح، بشكل استثنائي، إلى ”مخطط إنعاش إقتصادي وتضامن اجتماعي“ للفترة من 2021 الى 2024، يتضمن خطوات عملية سريعة لوقف النزيف المدمر للمالية العمومية والمخرب للتوازنات الكبرى، وتدابير استثنائية لانقاذ نسيج المؤسسات المتوسطة والصغيرة، وخطوات عملية لاصلاح حوكمة المؤسسات العمومية وتقليص خسائرها وانقاذها من الانهيار، وإجراءات إجتماعية تضامنية مع الفئات الهشة المتضررة أكثر من غيرها من الأزمة الراهنة.
على أن يتم إستئناف الاعتماد على المخططات التنموية الخماسية بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2024، ضمن رؤية جديدة تلتقي فيها الأجندة التنموية بالأجندة الانتخابية، بحيث تصبح الخيارات التنموية الكبرى المحددة للمنوال التنموي نابعة من صندوق الانتخابات. ويصبح تنزيلها مسؤولية الحزب أو التحالف الذي نال ثقة الشعب. ويصبح تقييم إنجازات المخطط عنصرا أساسيا في تقييم أداء الحزب أو التحالف الحاكم. وهو ما سيكون له أثر كبير في ترشيد الخطاب السياسي وتنضيج المناخات الانتخابية وفي تحويل الخيارات التنموية والبرامج الاقتصادية والاجتماعية إلى أساس التنافس في الحملات الانتخابية وما يتطلبه ذلك من دراسات واستشارات وتكوين للاطارات وتقديم لذوي الخبرة والمعرفة بالشأن التنموي على حساب أصحاب الخطاب الشعبوي العاطفي.
لو تتبنى الحكومة هذه المقاربة الشاملة، وتفتح بشأنها حوارا جديا، فستكون قادرة على ضمان دعم سياسي وشعبي لها، خاصة إذا رافقتها استشارات واسعة2 وإجراءات لتخفيف الاحتقان المجتمعي وإعلانات جادة على تحويل الحكومة إلى حكومة إنقاذ اقتصادي بعيدة عن التجاذبات والخيارات الخلافية. وهو ما سيفتح الباب أمام دعم المؤسسات المالية الدولية والدول الداعمة التي ظلت خلال السنوات الماضية تشتكي من غياب أدنى رؤية لدى الحكومات المتعاقبة واختلال البوصلة.
تنطلق الدراسة من تقييم سياسات التخطيط التنموي في البلاد طيلة العقود الماضية، قبل أن تتطرق إلى تقييم المسار التنموي بعد الثورة، ثم تقييم المخطط الخماسي الأخير 2016-2020. ثم تطرح قراءة نقدية لمنهجية تقييم نتائج المخططات التنموية المعتمدة من طرف الهياكل المعنية. قبل أن تطرح تساؤلات عن جدوى مواصلة المخطط الجديد 2021-2025 وجدوى مواصلة العمل بالمنهجية القديمة للتخطيط التنموي، وتطرح في الختام معالم المقاربة التنموية الجديدة التي نراها قادرة على تلبية متطلبات الوضع الاستثنائي الراهن وعلى الانسجام مع التغييرات العميقة الحاصلة بعد الثورة في اتجاه ارساء الديمقراطية واللامركزية والتشاركية والشفافية.
أولا: مسار طويل من التخطيط. والتنمية أين هي؟
ثانيا : ”مخطط الياسمين“ انحراف بمسار ”ثورة الياسمين“
ثالثا : مخطط 2016-2020: إصلاح العربة المعطلة عوض تعويضها
رابعا: تقييم منهجية تقييم المخططات التنموية
خامسا : في الحاجة الـى مخطط استثنائي للفترة 2021-2024؟
سادسا : في الحاجة إلى مقاربة جديدة للتخطيط التنموي في تونس