قام مرصد رقابة بدراسة شاملة ومفصّلة لمختلف الإعلانات التي تمّ نشرها من قبل كلّ من المؤسسات العمومية والمؤسسات التي تساهم الدولة في رأسمالها بجريدة "الشعب" التي يصدرها الاتحاد العام التونسي للشغل، خلال مدة ثلاث سنوات، من جويلية 2019 إلى جويلية 2022 (157 عددا من الجريدة).
وتبيّن أنّ التكلفة الجملية لتلك الإعلانات بلغت حوالي 250 ألف دينار بدون احتساب معاليم الإشتراكات السنوية بالجريدة من قبل كلّ المنشآت العمومية وعددها يفوق ال100.
ولاحظ مرصد رقابة أنّ إعلانات المؤسسات العمومية والمؤسسات التي تشارك الدولة في رأسمالها تمثّل نسبة 70% مقارنة بإعلانات المؤسسات الخاصة التي تمثّل نسبة 30%.
وبمعاينة المرصد لكل الإعلانات المنشورة، خلال تلك الفترة، تبين لنا أن أغلبها يتميز بالاعتباطية وغياب الاستراتيجية الاتصالية من قبل المنشآت العمومية المعنية، التي ينشط بعضها في محيط غير تنافسي، ويشهد الكثير منها أزمة مالية كارثية. وهو ما يؤكد أن نشر الاعلانات كان فقط لارضاء الاتحاد وتوقي ضغوطه واضراباته.
وتمكن المرصد من الحصول على مؤيدات بخصوص أساليب ابتزاز المنشآت العمومية عن طريق مراسلات رسمية تحتوي على مقترحات باقتطاع اشتراكات شرفية وصفحات اشهارية ومساهمات في الاحتفال بذكرى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل والإحتفال بعيد الشغل العالمي والاحتفال بذكرى ثورة 14 جانفي 2011 ومناسبات أخرى.
ثم قام المرصد بمراسلة كل المؤسسات العمومية التي لبت مقترحات جريدة الاتحاد ونشرت اشهارات خلال تلك الفترة، قصد الحصول على مراجع الخلاص المتعلقة بالإعلانات في جريدة "الشعب"، وعلاقة تلك النفقات بنشاط المؤسسة، مع إيضاح حول بند الميزانية التقديرية المصادق عليها والذي تمّ إدراج النفقات عليه، وما يفيد احترام المبادئ العامة للشراء العمومي.
وتبين لنا من خلال أجوبة المؤسسات المعنية، والوثائق والفواتير التي وردتنا، تلاعب المشرفين على جريدة "الشعب" بمعايير احتساب قيمة الاعلانات. حيث يقومون بإجبار المؤسسات العمومية على دفع مساهمات متفاوتة القيمة المالية لنفس المساحة الاعلانية. بشكل يوحي أن التسعير لا يخضع لمعايير فنية موضوعية وإنما لدرجة الضغط على المؤسسات وابتزازها، و"كلّ قدير و قدره.".
وكمثال لهذه الطريقة الغريبة في احتساب كلفة الاعلانات، تبين لنا من خلال الفواتير التي تحصلنا عليها، أن نفس العدد من الجريدة (عدد 1592 / عدد 1641) يحتوي على إعلان في صفحة خاصة للشركة التونسية لمواد التزييت بقيمة 1000 دينار، وإعلان في صفحة خاصة للشركة التونسية لصناعات التكرير بقيمة 2000 دينار.
مرصد رقابة يعتبر أن "مقترحات"جريدة الاتحاد التي توجه الى مديري المؤسسات العمومية، فيها شبهات استغلال النفوذ. بالنظر الى أن اتحاد الشغل لديه فروع نقابية في المؤسسات العمومية ويتدخل في التسيير اليومي للمؤسسات ويؤثر في الترقيات والانتدابات وتسمية المسؤولين واعفائهم بالاضافة لكونه شريك في اللجان المتناصفة ولديه حق الاضراب. وهو ما يجعل تلك "المقترحات" تختلف تماما عن مقترحات الاشهار الواردة من منابر اعلامبة لا تتميز بنفس النفوذ.
مرصد رقابة سيقدم للنيابة العمومية في قادم الأيام ملفا شاملا موثقا يتضمن كل مؤيدات عمليات الابتزاز الممنهج الذي يمارسه اتحاد الشغل عبر جريدته "الشعب" للمؤسسات العمومية والمؤسسات الخاصة التي تشارك الدولة في رأسمالها. ويأمل في تحميل المسؤولية ليس فقط للجهة التي تستغل المال العام وانما لمسؤولي المؤسسات العمومية الذين يقبلون بالابتزاز.