أصدرت رئاسة الحكومة المنشور عدد 05 بتاريخ 12 مارس 2021 بخصوص "الاعباء المثقلة على المؤسسات والمنشآت العمومية بعنوان مصاريف راجعة للوزارات أو الجمعيات أو المنظمات أو أي هياكل أخرى عمومية أو خاصة". وهو منشور موجه الى السيدات والسادة الوزراء وكتاب الدولة والولاة ورؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية.
ويأتي هذا المنشور لتعويض منشور وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد عدد 04 المؤرخ في 01 جوان 2020.
وبالمقارنة بين نصّي المنشورين، تبين لنا بالكاشف أن المنشور الجديد فيه تراجع واضح في مجال تطبيق التحديدات المنصوص عليها بخصوص الاعباء غير المبررة المثقلة على المؤسسات والمنشآت العمومية، وفي مجال تحميل رؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية لمسؤولياتهم، كما انه يمهّد للافلات من المحاسبة والعقاب.
وهذه هي الفوارق التي رصدناها في المنشور الجديد مقارنة مع المنشور السابق:
1- تم إضافة استثناء ثالث من تطبيق مقتضيات المنشور، يضاف الى استثناء المبالغ المخصصة لدعم الجمعيات وتلك المخصصة في اطار المسؤولية المجتمعية، ويتمثل في: "تكفل المؤسسات والمنشآت العمومية بمصاريف هياكل عمومية أخرى لها علاقة بمجال نشاطها بهدف تطوير أدائها وتحسين مردودية القطاع والنهوض به، وذلك بعد موافقة سلطة الاشراف". وهو كلام فضفاض يمكن أن تدخل تحت اطاره أعباء لا علاقة لها بالنشاط الرئيسي للمؤسسة العمومية ويفتح المجال لتسلط سلطة الاشراف وفرضها لاعباء اضافية على المؤسسات على عكس الهدف من المنشور.
2- تم حذف جملة واردة في المنشور القديم فيها تأكيد على "تحميل رؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية المسؤولية المباشرة" في تطبيق أحكام المنشور. وهذه انتكاسة كبيرة لأنها توحي برغبة رئيس الحكومة في اعادة القرار بخصوص التخلص من الأعباء غير المبررة الى سلطة الاشراف. وهو ما يناقض مبادئ استقلالية القرار والحوكمة الرشيدة في المؤسسات العمومية.
3- تم حذف جملة واردة بالمنشور السابق تذكر بأن مخالفة أحكام المنشور عبر تحمل أعباء غير مبررة موجبة "للمؤاخذة الجزائية وخاصة الفصل 96 من المجلة الجزائية". وهو ما يمكن فهمه كتهوين من طرف حكومة المشيشي للتجاوزات في مجال تحمل أعباء غير قانونية من طرف رؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية.
واضح جدا أن هذا المنشور جاء لإفراغ المنشور السابق من محتواه ولتوفير غطاء لرؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية من أجل احالة القرارات بخصوص الاعباء المثقلة الى سلطة الاشراف عوض تحمل المسؤولية في الغائها طبقا لأحكام القانون التي ذكر بها المنشور السابق.
ويعلم "مرصد رقابة" الرأي العام، بأنه سيتقدم بشكاية لدى المحكمة الادارية من أجل ابطال هذا المنشور الذي يتضمّن مخالفة صريحة للقوانين والاوامر الجاري بها العمل، كما يتعهّد المرصد بمواصلة رفع قضايا جزائية ضد كل من يثبت تورطه في هذا الصدد من وزراء ومسؤولين أول عن المؤسسات والمنشآت العمومية كلما توفرت معطيات ومؤيدات في هذا الشأن.
إذ كيف يمكن للحكومة المضي قدما في مكافحة الفساد المستشري بالمؤسسات والمنشآت العمومية، وهي تقوم في ذات الوقت بإصدار مناشير تشجّع على سوء الحوكمة؟
*** في أهمية المنشور عدد 04 المؤرخ في 01 جوان 2020:
لقد رحبت العديد من مكونات المجتمع المدني المهتمة بالحوكمة ومكافحة الفساد ومنهم "مرصد رقابة" بهذا المنشور حين تمّ اقراره في عهد حكومة الياس الفخفاخ، وبمبادرة من الوزير محمد عبو، كما استبشر بصدوره عدد هام من مسيّري المؤسسات والمنشآت العمومية باعتباره ذكّرهم بالمقتضيات القانونية التي تمنع إثقال كاهل هذه المؤسسات والمنشآت بأي أعباء، في شكل نفقات مالية أو امتيازات عينية، لا تندرج ضمن نشاطاتها القانونية.
فقد حمّل المنشور عدد 4 المسؤولين الأول عن المؤسسات والمنشآت العمومية مسؤولياتهم في هذا الصدد، وذكّرهم بأن مخالفة مقتضيات المنشور المذكور يجعلهم تحت طائلة أحكام الفصل 113 من قانون محكمة المحاسبات المتعلق بأخطاء التصرف وكذلك تحت طائلة الفصل 96 من المجلة الجزائية.
وشكّل المنشور جدار صد لإيقاف نزيف إغراق المؤسسات والمنشآت العمومية بمصاريف غير مبررة نتيجة لممارسات غير قانونية وهرسلة وعمليات ابتزاز متواصلة من وزارات الإشراف القطاعية وخاصة وزارات النقل والصناعة والطاقة وكذلك من المصالح الأمنية والديوانية ومن الجمعيات والمنظمات والأحزاب السياسية.
يشار إلى أنّ "مرصد رقابة" استند الى المنشور عدد 04 المؤرخ في 01 جوان 2020 في مناسبات عديدة لرفع شكايات متعلقة بتجاوزات في مجال تكفل مؤسسات عمومية بمصاريف بالتدخل في مجال نشاطها وأساسا في اطار التفرغ النقابي العشوائي، في حين يأتي المنشور عدد 05 بتاريخ 12 مارس 2021 ليشكّل انتكاسة كبيرة توحي برغبة رئيس الحكومة الحالي في اعادة القرار بخصوص التخلص من الأعباء غير المبررة الى سلطة الاشراف. وهو ما يناقض مبادئ استقلالية القرار والحوكمة الرشيدة في المؤسسات العمومية، إذ يبدو وكأنه جاء لتوفير غطاء لرؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية من أجل احالة القرارات بخصوص الاعباء المثقلة الى سلطة الاشراف عوض تحمّل المسؤولية في الغائها طبقا لأحكام القانون التي ذكّر بها المنشور السابق.
ويحمل مرصد رقابة اعضاء مجالس الادارة ومراقبي الدولة بالمؤسسات والمنشآت العمومية مسؤولياتهم الإدارية والجزائية في التصدي لهذا المنشور الجديد المتضمن لتعديلات مخالفة للقانون ويدعوهم إلى القيام بواجبهم في التحفظ على أي قرارات تندرج في إطار الإستثناء الجديد، و يذكرهم في هذا الصدد بأنهم مكلفون حسب الفصل 7 من الأمر الحكومي عدد 5093 لسنة 2013 مؤرخ 22 نوفمبر 2013 المتعلق بهيئة مراقبي الدولة بمتابعة احترام الالتزامات الموضوعة على كاهل المؤسسات والمنشآت العمومية حسب القوانين والتراتيب الجاري بها العمل و الاعتراض أو التحفظ على جميع العمليات غير القانونية التي من شأنها أن يكون لها انعكاس مالي على المؤسسات والمنشآت العموميّة المعنيّة.