تلقى مرصد رقابة رد رئاسة الحكومة على مطلب النفاذ الذي تقدم به المرصد بتاريخ 19 مارس 2021 للمطالبة بقائمة الجمعيات التي تولت إعلام الكاتب العام للحكومة بتحصلها على مساعدات وتبرعات وهبات من جهات أجنبية طبقا لمقتضيات الفصل 41 من المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات، وقائمة الجمعيات التي تم تسليط عقوبات عليها بسبب عدم إحترام مقتضيات الفصل 41 المذكور.
وجاء في رد رئاسة الحكومة، المؤرخ في 23 فيفري 2022، أن الادارة العامة للجمعيات والأحزاب السياسية لا تتوفر على الوثائق المطلوبة.
هذا الرد يعني أن مصالح رئاسة الحكومة إما أن تكون متسترة على المعطيات المتوفرة لديها، أو أنها لم تقم طيلة العقد الماضي بواجبها في مراقبة الأموال المتدفقة على المجتمع المدني بعنوان الدعم والهبات والمساعدات.
هذا الرد يبين أن التوجه الى منع الدعم الأجنبي للجمعيات لم يكن يستند أصلا وبالضرورة إلى رصد تجاوزات باعتبار غياب المعطيات والمتابعة بحسب ما يفهم من رد رئاسة الحكومة، وإنّما هو قفز على المشكل الحقيقي المتمثل في غياب أدنى رقابة على التمويل الأجنبي وفق مقتضيات المرسوم، الذي ينص فصله 45 على عقوبات متدرجة تصل إلى الحكم القضائي بحل الجمعية في صورة عدم امتثالها لواجب الاعلام بتلقي التمويل والنشر في الصحافة وايداع التقارير المالية لدى الجهات المعنية.
مرصد رقابة، الذي حرص خلال المدة الماضية على احترام مقتضيات المرسوم بشكل صارم، يعتبر أن الحل يكمن في تعزيز الرقابة على الجمعيات التي تحظى بتمويل خارجي، وتطبيق القانون على كل من يتجاوزه، وفرض أقصى حدود الشفافية عبر اعلام الكتابة العامة الحكومة والرأي العام بكل دعم خارجي، وعبر نشر التقارير المالية في السجل الوطني للمؤسسات.
ويعتبر المرصد أن من واجب الحكومة نشر جداول محينة للجمعيات التي تحترم القانون وتعلمها بالتمويلات الخارجية التي تتلقاها، وتلك التي تتستر على التمويلات التي تصلها ولا تودع تقاريرها المالية في الآجال، حتى تردع كل تلاعب أو تهاون في واجب الشفافية.
ويرى المرصد أنه لو كانت هناك نية صادقة وجادة في مراقبة التمويل الأجنبي للجمعيات ومعاقبة الجهات التي تستغل ذلك التمويل لأغراض حزبية أو انتخابية أو لتكريس تدخل أجنبي يمس من سيادة البلاد، لتم تفعيل دور الكتابة العامة الحكومة في تنبيه الجمعيات المخالفة ورفع الشكايات لتعليق نشاطها أو حلها، لا التهديد بمنع سبل التمويل عليها بتعلّة استغلال التمويل الأجنبي لأغراض "غير وطنية".
ولا يفوت مرصد رقابة التذكير بكون التمويل الأجنبي هو أحد الموارد الأساسية لتمويل واستمرار الجمعيات في تونس حاليّا، وذلك نظرا لغياب ثقافة مساهمة المؤسّسات والأفراد في القطاع الخاص طيلة عهد الديكتاتورية وما بعدها في تمويل الجمعيات المدنية كما هو سائد في الخارج وفي بقية الدول الديمقراطية العريقة، وخاصّة في ظل غياب أدنى تمويل عمومي من قبل الدولة رغم أهمية ذلك خاصّة في مرحلة انتقال ديمقراطي، باعتبار أنّ وجود مجتمع مدني حيوي ومتعدّد الجمعيات المتنوّعة والفاعلة والقويّة هو أحد المكوّنات الأساسيّة للأنظمة الديمقراطيّة الناجحة.
إنّ العمل من قبل السلطة اليوم في المقابل على فرض مرسوم جمعيات جديد بشكل آحادي وفوقي وموجّه، يقلّص من حقّ التنظّم ويحاصر ويجفّف تمويل الجمعيّات عوض مراقبته وضبطه، سيضرب في الحقيقة دور المجتمع المدني في مراقبة الدولة وإسنادها وتعويض نقصها وتقصيرها في مجالات حيوية.. كما يهدّد المناخ الديمقراطي بالتضييق على أحد مكوّناته وهو الجمعيات والمجتمع المدني.


