يحتفي “مرصد رقابة” مع عموم التونسيون في الخامس من مارس من كل سنة، باليوم الوطني للمبلّغين عن الفساد، تلك الفئة الجسورة التي خصّها القانون الأساسي عدد 10 لسنة 2017 والمؤرخ في 7 مارس 2017 بآليات الحماية من كافة أساليب الانتقام والتشفي نتيجة ممارستها لواجبها في الابلاغ عن مظاهر الفساد.
يصف المشرّع التونسي مفهوم حماية المبلغين بكونه “جملة الإجراءات الهادفة إلى حماية المبلّغ عن الفساد سواء كان ذات طبيعية أو معنوية ضد مختلف أشكال الانتقام أو التمييز التي قد تسلط عليه بسبب تبليغه عن حالات الفساد، سواء اتّخَذَ الانتقام من المبلّغ شكل مضايقات مستمرة أو عقوبات مقنّعة وبصفة عامة كل إجراء تعسفي في حقه بما في ذلك الإجراءات التأديبية كالعزل أو الإعفاء أو رفض الترقية أو رفض طلب النقلة أو النقلة التعسفية أو شكل اعتداء جسدي أو معنوي أو التهديد بهما يسلط ضد المبلّغ أو ضد كل شخص وثيق الصلة به”.
وعلى الرغم من تزايد صدور قرارات اسناد الحماية الأمنيّة والشخصيّة والجسديّة لفائدة المبلِّغين عن الفساد في بلادنا من طرف الجهات المسؤولة، فإنّ “مرصد رقابة” يعاين أنّ شريحة واسعة من المبلِّغين يدفعون إلى اليوم فاتورة التبليغ، إذ تعرّض كثير منهم لعدة مضايقات واجراءات انتقامية، كالطرد والنقل التعسفي من الوظائف والهرسلة المتواصلة رغم تبليغهم عن قضايا فساد تهمّ المصلحة العامة.
كما يُسجّل “مرصد رقابة” أنّ الإطار القانوني الحالي، الذي ما زال ينقصه تفعيل بعض الاوامر الترتيبية، لا يوفر للمبلِّغ عن الفساد في تونس حماية كافية، ومن ذلك اقتران توفير الحماية للمبلّغ بتطبيق شرط “تبليغ هيئة مكافحة الفساد” دون غيرها من القنوات البديلة التي كانت سبّاقة في الكشف عن الفساد والاطاحة بالمفسدين على غرار منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام المواطنية وغيرها، فقد ظلّ الابلاغ عن الفساد الذي يوجه الى جهات اخرى غير هيئة مكافحة الفساد، لا تحظى بهذا الامتياز الذي تحتكره “الهيئة”، إلى درجة أنّ من يقرر التوجه مباشرة إلى النيابة العمومية للإبلاغ عن الفساد، يُحرم من الحماية!
إن “مرصد رقابة” إذ يحيي جهود الخيّرين والباحثين عن المصلحة العامة والمتمسكين بالإبلاغ عن الفساد متحدّين عواقب قراراتهم تلك، من موظفين شرفاء واطارات سامية ومديرين عامين ومديرين مركزيين تشرفنا في المرصد بالتعاون معهم، فإنه يستغل المناسبة للتشديد على أنّ الفساد فعل إجرامي ولاأخلاقي وخيانة للأمانة وأنّ أضراره وتداعياته تكون أشد جسامة في أوقات الأزمات، كما في الوقت الحالي الذي يكابد فيه العالم من أجل التصدي لجائحة كوفيد-19، وهو ظرف يخلق فرصا جديدة لاستغلال ضعف الرقابة وغياب الشفافية ما يستدعي المزيد من اليقظة ونكران الذات والشجاعة في التصدي لآفة الفساد.
كما يجدد “مرصد رقابة” ايمانه بأن استقواء الفساد والفاسدين يتطلّب إرادة قوية من أجهزة الدولة وايمانا عميقا ووعيا من المجتمع بخطورة الظاهرة والصبر من أجل استئصال شأفتها.