المديونية الخارجية تجلب لتونس التبعية والفقر عوض تطوير الانتاج وخلق الثروة
وضع المديونية في تونس من أسوأ الأوضاع على الاطلاق لأسباب عديدة منها سوء التصرف وضعف الحوكمة
وغياب التخطيط وضعف الرقابة على انجاز المشاريع وهي مشاكل هيكلية بنيوية كانت موجودة قبل الثورة وزادت حدتها بعد 2011 ولم تجد ارادة حقيقية ورؤية لاصلاحها من قبل الحكومات المتعاقبة.
المشكل ليس في اللجوء الى الاقتراض في حد ذاته، حيث أن الاقتراض الخارجي أصبح في العالم بأسره وخاصة الدول ذات الاقتصاد الضعيف “شر لا بد منه” لتلبية احتياجات تمويل الاقتصاد، ولتعبئة التمويلات من أجل النهوض بالاستثمارات، في ظل غياب موارد ذاتية كافية.
المشكل في توظيف تلك القروض وفي مدى تحقق المشاريع التي تم الاقتراض لأجلها. هل ساهمت تلك القروض في تطوير الانتاج وزيادة الثروة الوطنية وخلق قيمة مضافة قادرة على توفير الموارد الضرورية لتسديد التزامات البلاد الخارجية؟ أم أنها فشلت في ذلك وزادت في مستويات التبعية والفقر والبطالة وتدهور مستوى العيش ؟
دراسة الأرقام الواردة في تقرير البنك الدولي الأخير بخصوص احصائيات المديونية في العالم، ومقارنة أرقام تونس بأرقام دول أخرى مثل المغرب الشقيق، تبين لنا بشكل واضح كيف أن المديونية في المغرب ساهمت بشكل أفضل نسبيا في خلق الثروة وتطوير الانتاج، رغم أن الوضع المغربي ليس نموذجا ولا يخلو من مشاكل كبرى وفقر وأزمات.
الجدول المرفق يوضح المقارنة بشكل جلي :
ديون المغرب الخارجية تطورت من 27 مليار دولار سنة 2010 الى 66 مليار دولار سنة 2020 (بنسبة 144٪). وفي المقابل ارتفع الناتج من قرابة 92 مليار سنة 2010 الى 117 مليار سنة 2019 و 111 مليار في 2020 ( تراجع بسبب جائحة كورونا).
في حين تطورت الديون التونسية من 23 مليار دولار في 2010 الى 41 مليار دولار في 2020 (بنسبة 80٪)، مع انخفاض الناتج المحلي الاجمالي من قرابة 42 مليار دولار في 2010 الى 38,5 مليار دولار في 2019 و38 مليار دولار في 2020.
وبهذا تكون نسبة المديونية من الناتج الخام قد انتقلت في المغرب من 29٪ الى 59٪ في وفي المقابل انتقلت في تونس من 54٪ إلى 107٪. وهو ما يمثل في حد ذاته مؤشرا خطيرا جدا على ديمومة الدين العمومي. وهو ما كان من أهم أسباب تخفيض تصنيف البلاد ليس فقط بدرجة من B3 الى Caa1 كما يحاول البعض تهوينه، وإنما من قسم B الى قسم C قسم المخاطر العالية جدا، وهو ما يقربنا بخطى حثيثة من تصنيف “الدول على وشك الافلاس”، إذًا لم يتم تدارك الأمر سريعا.
هذه المقارنة لوحدها تثبت أن المديونية التي تخلق الثروة في بعض البلدان تخلق الفقر والبطالة والازمات في تونس.
الحلقة القادمة سنخصصها لتحليل بنية الدين العمومي التونسي (الخارجي والداخلي) بالاعتماد على خبرة كفاءات وطنية نوعية.
