مرصد رقابة” يقاضي مسؤولين كبارا بسبب منظومة الامتيازات العينية في قطاع التبغ

أودع “مرصد رقابة” يوم الأربعاء 27 أكتوبر الجاري، شكاية لدى القطب القضائي الاقتصادي والمالي لتحميل المسؤوليات فيما يتعلق بشبهات فساد تشمل منظومـة الامـتيازات الـعينية “مـذاقـات” والتي تمنح بـشكل غـير قانوني مـن طرف الوكالة الوطـنية للتبغ والوقـيد ومصنع التبغ بالقيروان، وكبّدت الخزينة العامة خسائر فادحة.

ويقاضي المرصد في هذا الملفّ المدير العام للوكالة الوطنية للتبغ والوقيد والمدير العام لمصنع التبغ بالقيروان، والسيّد علي الكعلي، وزير الاقتصاد والمالية السابق، والمديرة العامة للمساهمات بوزارة المالية وعضو مجلس ادارة الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد.

واستند المرصد في دعواه القضائية ضد المتهمين على ما ورد في تقرير التفقد النهائـي لهيئة الرقابة الـعامـة التابعة لوزارة أمـلاك الـدولـة والـشؤون الـعقاريـة بـتاريـخ 6 جـوان 2020، بـخصوص تـصرف الوكالة الوطنية للتبغ والوقـيد، كما استند الى حقه في النفاذ إلى المعلومة للحصول على تفاصيل كثيرة تتعلق باخلالات قانونية في تصرّف هذه المؤسسة العامة.

تشمل التجاوزات والاخلالات التي ذكرها المرصد في شكايته مرفقة بالمؤيدات، للأعوام بين 2010 و2016، سوء تصرّف واضح في الموارد البشرية والتصرف المالي والمحاسبي بالاضافة إلى شـبهات فـي مسـتوى مكافحة الاتجار غـير المشـروع بـمواد الاخـتصاص والرقابة عـلى السوق الموازية ومستوى التصدي لتقليد مواد الاختصاص.

وقام “مرصد رقابة” بالتقصي فـي موضوع التجاوزات الـمتعلقة بـالمذاقات الاسـتثنائية والامـتيازات الـعينية الممنوحـة مـن طـرف الوكالـة ومـصنع الـقيروان بـالاعـتماد أسـاسـا عـلى مـطالب لـلنفاذ الـى المعلومة، وخلص إلى تكرر توزيع مذاقات شهرية خارج اطار القانون.

وذكر تقرير التفقد النهائي لهيئة الرقابة العامة التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية أنّ “الوكالة تمكّن أعوانها القارين والوقتيين والمتقاعدين وأعضاء مجلس الادارة والمديرين العامين ومراقبي الدولة (باستثناء مراقبة الدولة الحالية التي طعنت في الموضوع) وبعض اطارات الادارة العامة للمحاسبة العمومية والاستخلاص المكلفين بتفقد المراكز المحاسبية وقباض المالية المكلفين بالتصرف في منتوجات الاختصاص وأمناء المال الجهويين وبعض الأطباء المتعاقد معهم من مذاقة شهرية متأتية من منتوجاتها ”دون سند قانوني أو ترتيبي”.

وحصل “مرصد رقابة” على نسخة من محضر جلسة اجتماع مجلس إدارة الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وعلى ردود على مطالب نفاذ من الوكالة ذاتها.

وحصل على جدول تفصيلي يتضمن نوعية وكميات المذاقات والأطراف المنتفعة بها، معدة من طرف الادارة العامة للمساهمات، وتحمل تأشير وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي بالموافقة، وتضم قائمة المنتفعين بالمذاقات:

الأعوان المباشرون: مذاقات أسبوعية (من 12 إل 48 علبة اسبوعيا لكل عون حسب الخطة الوظيفية) وشهرية (100 علبة لكل عون) وسنوية (200 علبة لكل عون)

الأعوان المتقاعدون: مذاقات شهرية (70 علبة لكل عون)

أعضاء مجلس الادارة الحاليين، وأعضاء مجلس الادارة السابقين ومراقب الدولة المباشر، ومراقبي الدولة السابقين: مذاقة شهرية (35 علبة لكل شخص)

وتبين أنّ الكميات الـتي تـّم تـوزيـعها مـن الوكالة كـمذاقات خـلال الـثلاث السـنوات مـن 2013 إلـى 2015 وصـل الـى مـا يـقارب 10 مـليون عـلبة بـقيمة تـناهـز 22 مـليون دينار بما فوّت على خزينة الدولة مبلغا بقيمة 15 مليون دينار على الأقلّ، بالإضافة إلى تمتيع أعوان شركة TTI من مذاقات شهرية بشكل غير قانوني، وإسـناد الـسجائـر الـمحجوزة مـن الـسوق الـموازيـة لـفائـدة الأعـوان وغـيرهـم فـي شـكل مـذاقـات استثنائية، وإسناد كميات من السجائر المحجوزة من الديوانة إلى أعوان مصنع التبغ بالقيروان في شكل منح عمل أيام السبت والاحد.

وذكر “مرصد رقابة” في شكايته أن الفساد الذي ينخر منظومة التبغ في تونس لا يقتصر على انهاك ميزانية الدولة فقط، بل يتجاوز ذلك إلى خطورة اعادة التصرف في المحجوزات المصنعة محليا او المستوردة، بيعًا او تقديمها كمذاقات عوضا عن اتلافها، بما يمثل جريمة تقرها مجلة الديوانة.

فحسب احصاء سابق لوزارة التجارة بتاريخ 2015، فقد “رصد 25 مليون علبة سجائر مهربة داخل الأسواق التونسية شهريا، أي ما يقارب 300 مليون علبة سجائر مهربة سنويا، وهو ما أدى إلى خسائر تتجاوز 250 مليون دولار”.

أما الإدارة العامة للديوانة، فقد ذكرت أنّ “عمليات حجز التبغ المهرب للسنوات 2018-2019-2020، شملت 15 مليون علبة سجائر و100 ألف خرطوشة معسل و73.5 طن من مادة الجيراك المهرب بقيمة جملية حسب السوق المحلية قدرت ب49.8 مليون دينار.

وثمة خطر صحي كبير للسجائر المهربة مجهولة المصدر، فبعضها مغشوش ومصنّع بطرق لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الرقابة الصحية، فالعمل بمنظومة الامتيازات العينية تحت عنوان “المذاقات” و”المذاقات الاستثنائية” فيه تكريس لأعمال غير قانونية وغير شرعية تضر بالاقتصاد الوطني وبالصحة العمومية وتؤسس للتمييز بين أعوان الوظيفة العمومية.

ماذا يقول القانون التونسي عن “الهدايا والمذاقات”؟

اتصل “مرصد رقابة” بخبراء ومهتمين لمزيد تسليط الضوء على المخالفات القانونية الخطيرة المتعلقة بلمف المذاقات. وحصل المرصد على مؤيدات قانونية إضافية لتأكيد عدم قانونية توزيع وكالة التبغ والوقيد لهذا الامتياز العيني ووجوب إخضاع المسؤولين عن ذلك للمساءلة القانونية وتحميلهم مسؤوليات اهدار المال العام.

بالنسبة للمنتفعين من أعوان الوكالة، فقد أقر فقه قضاء دائرة الزجر المالي (التابعة لمحكمة المحاسبات حاليا) ما يلي:

“إن ما جرت عليه العادة من تخويل بعض الامتيازات العينية كتمكين بعض الأعوان العموميين من منتجات أو خدمات دون سند قانوني، يعد مخالفة للقاعدة التي تقتضي أن لا تسند الامتيازات مهما كان نوعها إلا بموجب أمر أو قانون أساسي، وأن العادة والعرف لا يخالفان النص الصريح في هذا المجال”.

وينص القانون عدد78 لسنة 1985 المؤرخ في 5 أوت 1985 المتعلق بضبط النظام الأساسي العام لأعوان الدواوين والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والشركات التي تمتلك الدولة أو الجماعات العمومية المحلية رأس مالها بصفة مباشرة، في الفصل 75 من الباب الثامن منه المتعلق بالأجرة والمنافع الاجتماعية علي ما يلي: “للأعوان الخاضعين لهذا القانون الحق في مرتب بعد إنجاز العمل. ويضبط هذا المرتب وجميع المنح مهما كان نوعها بالأنظمة الأساسية الخاصة أو بأمر”.

“إن حسن النية محمول أصلا على المتصرف في الشأن العام عند تتبعه لدى دائرة الزجر المالي وبالتالي لا يمكن للمدعى عليه التعلل بذلك للتفصي من تبعات خطأ التصرف، ضرورة أن الأمر يتعلق بجهات مختصة من ذوات الكفاءة والمسؤولية، بل أنه يتعين عند توفر قرائن أو نية الإضرار بالمصلحة، إحالة نظير من ملف الدعوة على المحاكم الجزائية” (سوء النية والقصدية متوفر في ملف المذاقات).

“ما بني على باطل فهو باطل، ومن ثمة فلا يمكن التعلل بما سبق أن جرى به العمل من مخالفة للقوانين بما يلحق ضررا بالجهة العمومية”.

“لا يخول لمتصرفي المنشآت العمومية التعلل بقرارات مجلس الادارة لتبرير عمل يكون القيام به مخالفا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل. ولا يمكن خرق هذه القوانين والتراتيب بتعـلة تأكد الحاجة أو الحرص على تصريف الشؤون أو حسن نية المتصرف”.

أمّا بالنسبة للمنتفعين من أعضاء مجلس الإدارة، فقد تبين أنّ الفصل 206 من مجلة الشركات التجارية ينص على أنه: “لا يمكن لأعضاء مجلس الإدارة أن يتلقوا من الشركة أي مقابل غير الذي نص عليه الفصلان 204 (منحة الحضور) و205 (المنحة الاستثنائية الخاصة بالمشاركة في اللجان المنبثقة عن مجلس الإدارة) من هذه المجلة. ويعتبر باطلا كل تنصيص مخالف بالعقد التأسيسي.

كما ينص الفصل 223 من مجلة الشركات التجارية على ما يلي :”يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عام واحد ولا تتجاوز خمسة أعوام وبخطية من ألفين إلى عشرة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين فقط …أعضاء مجلس الإدارة الذين يستعملون عن سوء قصد مكاسب الشركة أو سمعتها في غايات يعلمون أنها مخالفة لمصلحتها لقضاء مآرب شخصية و أعضاء مجلس الإدارة الذين يستعملون عن سوء قصد ما لهم من السلطة أو الأصوات التي لهم حق التصرف فيها في غايات يعلمون أنها مخالفة لمصالح الشركة لبلوغ مآرب شخصية أو لإيثار شركة أخرى عليها تربطهم بها صلات منفعة على أي وجه من الوجوه.

وينصّ الفصل 5 من القانون عدد 46 لسنة 2018 المؤرخ في 1 أوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، في النقطة 24 منه على أنه من الخاضعين لأحكام هذا القانون أعضاء لجان تقييم وإسناد ومراقبة عقود الصفقات العمومية وعقود اللزمات وعقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. وبما المصادقة على إسناد عقود الصفقات العمومية واللزمات وعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو من اختصاص مجلس الإدارة بالمنشآت العمومية، كما أن اللجنة الداخلية لمراقبة الصفقات بالمنشأة هي لجنة منبثقة عن مجلس الإدارة وتضم متصرفين بالمجلس ومراقب الدولة لدى المنشأة، فإن هؤلاء هم معنيون قانونا بالتصريح بالمكاسب والمصالح وخاضعون بالتالي لأحكام القانون المذكور.

كما ينص الفصل 27 من القانون عدد 46 لسنة 2018 على أنه “يجب على الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون الامتناع عن قبول هدايا لأنفسهم أو لمن تربطهم بهم صلة، تؤثر أو من شأنها أن تؤثر على أدائهم الموضوعي والنزيه والمحايد لواجباتهم المهنية”.

وإذا تم اعتبار “المذاقات” كهدايا، فإن الفصل 28 من القانون عدد 46 لسنة ينص على أنه يمكن لكلّ عون عمومي والأشخاص المنصوص عليهم بالفصل 5 من هذا القانون قبول هدايا من جهة عمومية أو خاصة إذا كانت هدايا رمزية لا تتجاوز قيمتها التقديرية حدا يضبط بمقتضى أمر حكومي بعد أخذ رأي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وحيث لم يصدر إلى حد هذا التاريخ الأمر الحكومي المذكور، فإنه يتعين امتناع كل عون عمومي عن قبول أي هدايا من أي جهة كانت.

الفصل 36 من القانون عدد 46 لسنة 2018 ينص على أنه “يعاقب كل شخص خاضع لأحكام هذا القانون قبل هدية خلافا لأحكام هذا القانون بخطية مالية تعادل قيمة الهدية المتحصل عليها مع الحكم بمصادرة الهدية لفائدة الدولة”.

أما الفصل 25 من القانون عدد 46 لسنة 2018 فينصّ على أنه ” يجب على الأعوان العموميين عند وجود شبهة تضارب مصالح، أثناء ممارسة واجباتهم المهنية، إعلام الرئيس المباشر أو سلطة الإشراف بحسب الحال إن وجدت.

مقطع مصور من اعداد “مرصد رقابة” عن التجاوزات في منظومة التبغ

https://www.facebook.com/Raqabah1/videos/3032148343721257

اكتب تعليق

مرصد رقابة” منظمة وطنية تأسست منذ اكتوبر 2019 هدفها الأسمى ترسيخ ثقافة الرقابة المواطنية على مؤسسات الدولة والمساهمة في إستئصال ظاهرة الفساد عبر كل الآليات والوسائل القانونية وعبر تشجيع وتكريس الرقابة المواطنية من خلال اتاحة مجموعة من الاليات الضرورية لذلك للعموم ، على غرار النفاذ الى المعلومة والتبليغ على الفساد وعدة معلومات مفتوحة اخرى متعلقة بجميع مؤسسات ومنشئات الدولة وذلك بهدف تشجيع المواطنين على القيام بالتبليغ عن حالات الفساد والعمل على تطوير المنظومة القانونية والآليات العلمية المتعلقة بحماية المبلغين على الفساد. يهدف مرصد رقابة الى إعداد دراسات هيكلية ومؤسساتية وتشريعية لتطوير الحوكمة والشفافية وحسن التصرف في الادارة والمؤسسات والمنشآت العمومية، والتشبيك مع هيئات ومنظمات وطنية ،اقليمية ودولية فاعلة في مكافحة الفساد

روابط هامة

تواصل معنا

+216 90 575 000 / +216 71 783 099
Contact@raqabah.org

خريطة المرصد

جميع الحقوق محفوظة – مرصد رقابة © 2024