دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري إلياس حمزة الاثنين 27 جوان 2022 بقصر الرئاسة بقرطاج ”لإعادة الجمعيات المائية فورا“. وعبر عن إستيائه من معاناة التونسيين من العطش في عديد المناطق، معتبرا أن هذا الوضع ناتج عن السياسات المائية التي تم اتباعها خاصة منها بخصوص الجمعيات المائية.
مرصد رقابة جعل منذ مدة طويلة من موضوع خطر العطش في البلاد موضوع اهتمام كبير له. وقام خلال الأشهر الماضية بالتقصي في القروض الخارجية التي التي أبرمتها الدولة التونسية في قطاع المياه للفترة الممتدة من سنة 2011 الى 2021 .
النتائج الأولية لعملية التقصي تؤكد ضخ مبالغ ضخمة في قطاع المياه في تونس خلال الفترة الممتدة من سنة 2011 الى سنة 2021 بقيمة جملية تقريبية لاتفاقيات القروض الخارجية فاقت 5,2 مليار دينار، منها أكثر من 1,2 مليار دينار تتعلق بتمويل برامج تزويد الوسط الريفي بالماء الصالح للشراب.
المرصد احتسب المبالغ باعتبار سعر صرف العملة بتاريخ اليوم على أساس أن الشروط المالية للاتفاقيات المذكورة تضمنت سنوات امهال من 5 سنوات فأكثر مع مدة خلاص تصل الى 20 سنة. وباعتبار الفوائض والعمولات مع فرضية إستقرار سعر الصرف فإن كلفة القروض ترتفع الى 6,5 مليار دينار. و ذلك دون اعتبار النفقات على موارد ميزانية الدولة و الموارد الذاتية للمؤسسات المعنية.
هذه التمويلات الضخمة قد تكون حققت نتائج جزئية في بعض المشاريع ولكن الأكيد أنها لم تتمكن من حل الأزمة الهيكلية في مجال المياه الصالحة للشرب في تونس، ومن تحسين الخدمات في أغلب جهات البلاد، ومن تخفيف معاناة التونسيين في مجال الماء الصالح للشراب ودفع خطر العطش عنهم.
لذلك يعتبر مرصد رقابة أنه من الواجب تقييم كل المشاريع الممولة خلال الفترات الماضية تقييما دقيقا لمعرفة لماذا لم تنجح في حل مشاكل البلاد المائية.
كما يعتبر أن موضوع شح المياه وخطر العطش في البلاد هو أكبر وأخطر من أن يكون محل جدل سياسوي وخطابات شعبوية وتسجيل نقاط، بل يحتاج الى وقفة جادة ودراسات موضوعية وعمل وطني دؤوب للوصول الى حلول تضمن حق الأجيال الحالية والقادمة في الماء وتدفع عن بلادنا وشعبنا خطر العطش الحقيقي.
كما يعتبر مرصد رقابة أن إختصار حل كارثة شح المياه في ”إعادة الجمعيات المائية إلى العمل“ كلام فضفاض فاقد للدقة والمعرفة بالوضع الحقيقي لقطاع المياه في البلاد ومتطلبات الاصلاح في هذا القطاع المنكوب. وفيه رمي للمسؤولية على هذه المجامع والجمعيات التي هي جزء من المجتمع المدني الاهلي، والتي تعمل ضمن إطار قانوني قديم لم يتجدد وضمن قواعد حوكمة قديمة لم يتم اصلاحها وتطويرها من طرف سلط الاشراف خلال السنوات والعقود الماضية.
ويتسائل مرصد رقابة، إن لم تستطع كل هاته التمويلات والقروض التى أبرمتها الدولة منذ سنوات توفير فرصة لوضع رؤية إستراتيجبة وجلب حلول لعطش التونسيين فكيف ستتمكن الجمعيات من إيجاد الحلول ؟
علما أن مسألة التزود بالماء الصالح للشراب عبر منظومة “الجمعيات المائية” هي مسألة معقدة ولا يقع حلها بمجرد الإذن للسلطات المعنية بإعادة تزويد المواطنين بالماء الصالح للشراب “فورا”.
وقد سبق للمرصد أن اشتغل على نواقص ومشاكل الحوكمة في منظومة الجمعيات والمجامع المائية، بعد تلقيه لعشرات التبليغات والشهادات بخصوص تجاوزات وسرقات وتلاعب في بعض تلك الجمعيات. وشملت التبليغات التي وردتنا حالات سوء تصرف وإهدار للماء وسرقات لمبالغ مالية وقع تجميعها لخلاص فواتير “الستاغ” وتحويلها لمنافع خاصة مما يجبر الشركة لقطع التزويد بالكهرباء بعد تراكم مبالغ مالية غير خالصة لفترة طويلة ثم تنطلق رحلة من المطالبة بجدولة الديون والتي لا تنجح دائما في إعادة انتظام عمليات الخلاص. كما شملت اعتداء بعض المواطنين على شبكات التزود والتزود بالمياه خارج العداد أو استعمال المياه الموجهة للشرب في عمليات سقي مكثفة تضعف تدفق الماء وتساهم في مزيد استنزاف المائدة المائية. وكذلك حالات المحسوبية والتلاعب بعضوية الجمعيات وبالانتخابات فيها والصراعات القبلية والعروشية والشخصية .. الخ.
وبالتالي فإن الموضوع أكبر بكثير من مجرد شعارات ونوايا، ويتطلب جهدا جبارا مركزا لتقييم وضع الجمعيات المائية وادارة حوار جدي حول الاصلاحات الضرورية لتلك المنظومة من أجل تطوير حكومتها وتعصير طرق ادارتها وتعزيز رقابتها وتأهيل المشرفين عليها وتوفير حوافز جدية لمكافأة الجمعيات الناجعة ذات الحوكمة الرشيدة ومعاقبة مسؤولي الجمعيات الفاشلة ذات الحوكمة الخاربة، وكل هذا يمر باصلاحات مدروسة للمنظومة القانونية والترتيبية لتلك الجمعيات. كما يتطلب الأمر أيضا جهدا كبيرا لتقييم المشاريع الكبرى في مجال المياه موضوع التمويلات الضخمة، وإدارة حوار وطني حول سبل التصدي لتحدي العطش القادم بخطى حثيثة.